سورة التوبة - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}
يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين والتبري منهم، ومبينا أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله وكفرهم برسول الله ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين وأدِيلوا عليهم، لم يبقوا ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم إلا ولا ذمة.
قال علي بن أبي طلحة، وعِكْرِمة، والعوفي عن ابن عباس: الإل: القرابة، والذمة: العهد.
وكذا قال الضحاك والسدي، كما قال تميم بن مُقْبِل:
أفسد الناس خُلوفٌ خلفوا *** قطعوا الإلَّ وأعراقَ الرحم
وقال حسان بن ثابت، رضي الله عنه:
وجدناهُمُ كاذبًا إِلّهُمْ *** وذو الإلِّ والعهد لا يكذب
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا} قال: الله.
وفي رواية: لا يرقبون الله ولا غيره.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن سليمان، عن أبي مجلز في قوله تعالى: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً} مثل قوله: جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل، كأنه يقول: يضيف جبر، وميكا، وإسراف، إلى إيل، يقول عبد الله: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا} كأنه يقول: لا يرقبون الله.
والقول الأول أشهر وأظهر، وعليه الأكثر.
وعن مجاهد أيضا: الإل: العهد.
وقال قتادة: الإل: الحلف.


{اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
يقول تعالى ذما للمشركين وحثا للمؤمنين على قتالهم: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يعني: أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات الله بما التهوا به من أمور الدنيا الخسيسة، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} أي: منعوا المؤمنين من اتباع الحق، {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً} تقدم تفسيره، وكذا الآية التي بعدها: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} إلى آخرها، تقدمت.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا أبو جعفر الرازي، حدثنا الربيع بن أنس قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته، لا يشرك به، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض، وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم، قبل هَرْج الأحاديث واختلاف الأهواء». وتصديق ذلك في كتاب الله: {فَإِنْ تَابُوا} يقول: فإن خلعوا الأوثان وعبادتها {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وقال في آية أخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}
ثم قال البزار: آخر الحديث عندي والله أعلم: فارقها وهو عنه راض، وباقيه عندي من كلام الربيع بن أنس.


{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
يقول تعالى: وإن نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة أيمانهم، أي: عهودهم ومواثيقهم، {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} أي: عابوه وانتقصوه. ومن هاهنا أخذ قتل من سب الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، أو من طعن في دين الإسلام أو ذكره بتنقص؛ ولهذا قال: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} أي: يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد والضلال.
وقد قال قتادة وغيره: أئمة الكفر كأبي جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف، وعدد رجالا.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: مر سعد برجل من الخوارج، فقال الخارجي: هذا من أئمة الكفر. فقال سعد: كذبت، بل أنا قاتلت أئمة الكفر. رواه ابن مردويه.
وقال الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة أنه قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد.
وروى عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، مثله.
والصحيح أن الآية عامة، وإن كان سبب نزولها مشركي قريش فهي عامة لهم ولغيرهم، والله أعلم.
وقال الوليد بن مسلم: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير: أنه كان في عهد أبي بكر، رضي الله عنه، إلى الناس حين وجههم إلى الشام، قال: إنكم ستجدون قوما محوقة رءوسهم، فاضربوا معاقد الشيطان منهم بالسيوف، فوالله لأن أقتل رجلا منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم، وذلك بأن الله يقول: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} رواه ابن أبي حاتم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8